الجمعة، 14 أكتوبر 2016

القبر الأخضر - قصة قصيرة - لـ د. هبه اللكاوي


القبر الأخضر
بتلك الروح الشريدة بداخلي..وحيرة التائه في قلبي الحزين...وجسد أضناه التعب..وحلم تشبعت به حتى صار ملئ فؤادي..
إنطلقت أبحث عن بيت أملكه لنفسي..بعد ماضقت ببيتي القديم
كان حلما رسمته في خيالي يوما بعد يوم..
فلم أجد حتى لحظتي لك بيتا يأوي روحي المعذبة قط..
هناك دوما شيئ ناقص...
لم يكن هناك تلك الحياة..التي أنشدها في أحلامي
وتلك الجنة التي أبتغى رضوانها
ولا السكينة التي تضيئ ظلام نفسي...
لكني عزمت اليوم...ألا أعود خالي الوفاض..فبيتي القديم..كان سجنا لتلك النفس التي ما تعودت إلا أن تطمح..فتصل !
وذاك البيت ليس أنا
ظللت أسأل الواحد تلو الأخر..عن بيوت أسكنها من ذلك النوع الذي يسري عشقهم في دمي
تأخذني قدماي الى مناطق عدة.
لكني لا أجد ما تشتهيه نفسي..
بعد أن تملكني يأس شديد..إستوقفني منزل على حافة شارع تسكنه الخضرة في ربوعه..
كان منزلا رائعا ..مكونا من طابقين...ومحاط بأسوار تحمل روح النقاء وحديقة خلابة تسلب الألباب..
وهناك قبر ساكن في الحديقة....قلت لنفسي..ربما يحمل بعضا من رفات أحد مالكين ذلك المنزل !
شيئ ما من الألفة يحملني أن أمتلك هذا المنزل الى الأبد !
أخذت أبحث عن أحد في الجوار...فربما يرشدني الى مالك المنزل
واصطدمت بأحد يخرج من البناية المجاورة..
- سيدي..إن ذلك المنزل أشعل روح الفتنة بداخلي..وأشتهي أن أشتريه
صمت قليلا ..ثم قال:
حسنا يابني..أنا لا أريد أن تتحطم أحلامك...لكن ذلك المنزل مهجور منذ سنوات عدة.. وليس له مالك...
- كيف ذلك؟وماهي قصته ياسيدي؟
- كان هناك فتاة تملكه...لم يكن لديها أحد..فكل أهلها سكنوا الى الموت..ودعوها لحديث وحدتها... كانت فتاة رائعة حقا..تحمل الخير لكل الناس..ذات فطرة نقية .لكنها تعثرت بغدر الناس وخيانتهم ولم يهتم أحدا بها كما يجب أن يكون...فذبلت الوردة وتملكها اليأس..ورفضت الحياة وأوصت أن تدفن وهي حية في ذلك القبر المتوطن في حديقة المنزل...ومنذ ذلك الوقت كل ما حاول أحد العيش فيه..لم يبت فيه ليلة واحدة...البعض روى عن أشياء غريبة..وآخرون استوحشهم ظلام المنزل رغم ظاهره المفعم بالحياة..
- حسنا اذن ...وماهو الحل سيدي؟
- إذا أردته حقا من قلبك...عليك أن تفعل كل ما بوسعك..لتجعل روح الحياة تدب في القبر أولا يابني...فذاك هو مفتاح سعادتك ..وتذكر أن عليك بالصبر..وأن أمامك ليلة واحدة..والإ سيكون مصيرك كمن سبقوك !
- الله المستعان..سأضيئ شموع روحي وأفعل كل مابوسعي لأشجيه بالحياة من جديد.

مضى العجوز..وعلى وجه ابتسامة ساخرة...ولعله يقول في نفسه...ياله من مسكين !

لملمت خوفي..وقادتني الجرأة الى حديقة المنزل...حيث موطن القبر..
جلست بجواره..لا أعرف ماذا افعل !
صلت بجولات فكري...وتساءلت:
- مالذي يجعل الحياة تدب فيمن سكنه الموت؟
حسنا ربما هو بحاجة الى شيئ حي...فيرويه حياة لأجل الحياة !
تذكرت ذلك الناي..الذي لا يفارقني
فأعزف عليه بروحي
أخذت أشدو لحنا بديعا كنت أسمعه كثيرا
ما إن بدأت..وشردت بخيالي...
حتى شعرت أن هناك شيئ ما مختلف... ربما نسمة حلوة لا أدري !
ظللت أعزف ساعات...لكن الوضع كما هو والنسائم. لا تزيد...بل ربما تنقص !
ضجرت وهممت بترك المنزل..
لكني تذكرت حديث جاري عن الصبر !
ونظرت إلى المنزل التي باتت صورته لا تفارق خيالي !
فعدت من جديد..
جلست لا أدري ماذا أفعل..
أخط على تلك البقعة الخضراء المحيطة بالقبر..بعصا وجدتها بجانبه..
أنثر كلمات غير مفهومة..او ربما أحرفا..
مثقل بهمومي..وزفراتي الحارة
ثم فجأة..وجدت صورة ملقاة...
إذا بأميرة تجلت في أروع حالاتها..
وجهها عنوان البراءة والطيبة..
إستشعرت في داخلي..إنها ساكنة القبر..
- يالهي..ماهذا الجمال الذي أراه؟
شيئ ما يسكن أعينها يدعوني للغوص فيهما..
شيئ ما يجعل ذلك الكائن الصغير القابع في صدري يرتجف لأميرتي !
- أه يالهي..كيف سكنت قلبي..وكيف لا تكون أميرتي والروح يغمرها الشوق اليها؟ وكيف يكتمل حلمي بدونها؟
إزددت حماسة...فأخذت أشدو بلحن لي..ينسج حكاية عشق بدأت برؤيتها !
والنسائم تزداد وأنا في حالة سلام أبدي..يتجلى كلما طال اللحن..

- هيا يا أميرتي الحلوة ! تعالي لأجلي !

مر الوقت..والليلة توشك على الانتهاء...وأميرتي لم تفق بعد من مرقدها !

- يالهي..إنها كل ما لدي الاّن..لا أريد شيئا من دنياي غير أن أسكن اليها بمنزل يحمل كل أحلامنا ! لا تخذلني ..متعب أنا من الوحدة ومن أحلامي التي لا تكتمل ومن أوجاع روحي و التيه في بحور لا تنتمي إلي ..لقد رأيت ما رأيت..لكني قط لن أشتاق الا لسكناها هي وحدها دون سواها...هلا حققت منايا ياربي؟ !

سالت دموعي بغزارة..
غصة ملأت الروح والفؤاد..
أنادي أميرتي بعنف من أعماقي..
وأنا مستمرا أشدو بألحاني...
و حين إرتوت أرض القبر بدموعي...بدأت أرى شيئا عجيبا !
بدأ القبر..يستحيل إلى اللون الأخضر...
وهي ..تتشكل قدماها...ويلتف جسدها في سرعة...يعجز عقلي عن استعيابها !
حتى تكونت ملامح وجهها المزدانة بجمال تعدى الوصف!
تشربت خدودها بحمرة الخجل...وابتسمت لي !

فسمعت همس العصافير في قلبي ...وصحت فرحا قائلا:
- أه...حبيبتي..انتظرت تلك اللحظة كثيرا...هلا تسمحين لي برقصة الحياة ؟ !
أومأت برأسها ...وأمسكت يداها في تؤدة...واقتربنا...لنرقص ونغني معا :
- هذا الحلم سيبقى !
تمت...

التعليقات متاحة لكى تعبر عن تقييمك للكتاب ورأيك في محتواه او خطأ فى الروابط او المحتوى الموجود فبرجاء احترام الذات قبل احترام الغير .
الابتساماتالابتسامات